العلاقة بين المدرسة والمجتمع
يحاول هذا المقال
أن يسلط بعض الضوء على العلاقة الوثيقة التي تربط المدرسة
بالمجتمع ، تلك العلاقة التي كانت مدار جدل بين التربويين
لفترات طويلة ، ويبدأ بتعريف المجتمع والمدرسة ، وبيان خصائص المجتمع المدرسي ونشأة
المدرسة ، ومن ثم العلاقة بين المدرسة والمجتمع ، ويتم تناول هذه الموضوعات في نقاط خمس .
أولاً :تعريف المجتمع:
الإنسان كائن
اجتماعي ، لا يعيش إلا في إطار منظم من بني جنسه ، فكل فرد ينتمي إلى
جماعة معينة وينسب لها ، ومن هنا تنشأ المجتمعات ، ولكن ما هو تعريف المجتمع ؟
لقد طرحت عدة
تعريفات للمجتمع بأقلام الباحثين والمختصين ، واختلفت هذه التعريفات باختلاف المفاهيم
الثقافية للعلماء واختلاف هدفهم ، فمنهم من ركز حول فكرة أن المجتمع مجموعة من
الأفراد ، ومنهم من ركز على البقعة الجغرافية ومنهم على الثقافة ومنهم على العلاقات المتبادلة
بين الأفراد ..
ولنذكر الآن بعض التعريفات
للمجتمع :
1. فيدريكو :" المجتمع جماعة من الناس تعيش في اقليم جغرافي معين وتشترك في ثقافة توجه سلوكهم ." فنرى هنا تأكيداً على البقعة الجغرافية والثقافة .
2. لانا روبرتسون : " المجتمع عبارة عن جماعة من أفراد يتفاعلون معاً ويقيمون في نفس الإقليم ويشاركون في ثقافة عامة ." وهنا تأكيد على التفاعل الاجتماعي .
3. " المجتمع هو كيان جماعي من البشر بينهم شبكة من التفاعلات والعلاقات الدائمة والمستقرة نسبياً ، وتسمح باستمرار هذا الكيان وبقائه وتجدده في الزمان والمكان " ونرى هنا النص على التفاعل الاجتماعي والاستمرارية والتجدد " .
4. ومن أشمل التعاريف للمجتمع هو تعريفه بأنه : " مجموعة من الأفراد يعيشون فوق بقعة محددة بتعاون وتضامن ويرتبطون بتراث ثقافي معين ، ولديهم الاحساس بالإنتماء لبعضهم البعض والولاء لمجتمعهم وثقافتهم ، ويكونون مجموعة من المؤسسات لتنظيم العلاقة فيما بينهم ولهم أهداف مشتركة " .
ثانياً : تعريف المدرسة :
المدرسة تنظيم
اجتماعي يتميز بديناميكية متفاعلة وجزء ضروري من المجتمع ، تحوي مناهج وخبرات
متنوعة لإيصال المتعلمين إلى أهداف تربوية محددة …
" والمجتمع المدرسي
يضم الأفراد الذين يعيشون داخل المؤسسات التعليمية ويشتركون معاً في صفات معينة
وتجمعهم مصالح مشتركة تجعلهم يقومون بألوان محددة من التفكير والتفاعل والنشاط تستهدف
إعداد الناشئة علمياً ومهنياً واجتماعياً وفق معايير وثقافة المجتمع وتؤدي إلى
احساسهم بالانتماء والولاء بعضهم لبعض " .وهناك خصائص للمجتمع المدرسي منها :
1. أنه بيئة تربوية
مبسطة .
2. انه بيئة تربوية تنقي
الثقافة والطلاب مما يشين .
3. موسعة للخبرات .
4. يعمل على تحقيق الانسجام
بين أفكار ومشاعر أفراده .
5. تتوزع فيه
المسؤوليات والاختصاصات .
6. انه بيئة تربوية
إنسانية تسودها العلاقات الاجتماعية الايجابية .
ثالثاً : نشأة
المدرسة :
لقد مرت المدرسة
بمراحل عدة عبر التاريخ حتى وصلت إلى وضعها
الحالي من التنظيم والتقنين ولم تكن وليدة ليلة وضحاها ..
بل ولابد ونحن ندرس
تاريخ نشأة المدرسة أن نعود لآلاف من السنين الماضية ونرى كيف بدأت المدرسة ، فإن
مهمة التربية والتعليم عملية فردية اجتماعية منذ وجد الانسان على وجه الأرض ، وكان
الانسان يكتسب أساليب السلوك الفردية للحياة عن طريق الاحتكاك المباشر بالبيئة فكان
الأب يعلم ابنه المهارات البسيطة التي يتقنها كالصيد والزراعة وقطع الأشجار …
وكانت الأم تعلم
ابنتها الطهو ومستلزمات المنزل ، إذن بدأت التربية والتعليم في
إطار أسري ، حيث لا مؤسسات ولا منظمات ترعى هذا الأمر ، وكانت التربية والتعليم يجريان بشكل عفوي في سياق الحياة .
وبظهور المجتمع القبلي
بدأ التخصص لأداء بعض الوظائف الدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ولم يكن
بإمكان الوالدين استيفاء كل هذه المتطلبات وتعليمها لأبنائهما ، فاضطر الآباء لإرسال
الأبناء إلى خبراء ليتعلموا منهم .
وبطبيعة الحال كان
ما يتعلمه الأبناء في تلك العصور السحيقة بدائياً ،
ومن هنا سميت تلك المجتمعات بالمجتمعات البدائية …
إلى أن استمرت
المسيرة التعليمية والتربوية حتى ظهرت الحاجة إلى إنشاء مؤسسات خاصة تعنى بالتربية
والتعليم وبذلك بذرت بذور المدرسة كمؤسسة اجتماعية متخصصة في التربية والتعليم
بصورة منظمة …
بعد هذا العرض
الموجز نبدأ ببيان علاقة المدرسة بالمجتمع ومدى
تأثير كل منهما في الآخر ..
رابعاً : العلاقة
بين المدرسة والمجتمع :
لقد اختلف المربون
في الدور المطلوب من المدرسة وطبيعة علاقتها بالمجتمع ونتج عن
ذلك ثلاثة اتجاهات :
1. المدرسة
والمجتمع صنوان ولا سبيل لتغيير المجتمع دون
تغيير المدرسة .
2. المدرسة عاجزة
عن تغيير المجتمع فهي تابعة له وليس العكس .
3. محاولة التوفيق
بين الاتجاهين السابقين فيرى أن المدرسة قادرة على التغيير كما
أن المجتمع قادر على التأثير في المدرسة .
ولمعرفة التفاصيل
يمكن الرجوع إلى كتاب المدرسة والمجتمع وهو لمجموعة من المتخصصين التربويين .
خامساً : وظائف
المدرسة :
اذن فهناك آراء مختلفة
حول طبيعة العلاقة بين المدرسة والمجتمع ومدى تأثير أحدهما في الآخر ، ولكن استاذنا
الفاضل الدكتور عابدين محمد شريف ينص ويؤكد على أن هناك عدة وظائف للمدرسة بعضها
وظائف محافظة ، وبعضها وظائف تجديدية ونذكرها هنا مختصرة ويمكن الرجوع لها في بحث
الدكتور في كتاب المدرسة والمجتمع .
أولاً : الوظائف
المحافظة للمدرسة :
1. نقل التراث
الثقافي .
2. التقويم
والاختيار .
3. تبسيط التراث الثقافي .
4. الاقتصاد
الثقافي .
5. التماسك
الاجتماعي .
ثانياً : الوظائف
التجديدية للمدرسة :
1. التكيف
الاجتماعي .
2. تنمية أنماط
سلوكية جديدة .
3. تنمية الابتكار
والابداع .
4. تحقيق الحراك
الاجتماعي .
5. امداد الأفراد
بالمهارات اللازمة لأداء مختلف الوظائف .
فكل هذه الأدوار والوظائف
هي مما تتحمله المدرسة وتخلقه في واقع المجتمع ، وبالتالي فالوظيفة التي تناط
بالمدرسة وظيفة كبيرة مقدسة صعبة وشاقة تحتاج إلى تسخير وسائل كثيرة من أجل الوصول
إلى الأهداف العظمى من مسيرة التربية والتعليم ، فالحراك الاجتماعي الذي أكد عليه
الدكتور عابدين من أهم منشطاته ودوافعه المدرسة يقول الدكتور : " وتسهم المدرسة
الحديثة في تيسير الحراك الاجتماعي أي انتقال الفرد إلى أعلى في البناء الطبقي
للمجتمع ، بما تتيحه من تنمية لقدرات الفرد واستعداداته وجهده الذاتي للحصول على
مكانة وظيفية واجتماعية راقية داخل المجتمع وبذلك يصبح المجتمع المفتوح مجالاً خصباً
لحركة أعضائه " .
وإذا كان دور
المدرسة مهماً في بناء وتكوين وخلق كوادر قادرة ومؤهلة لدفع عجلة
التقدم والحراك الاجتماعي إلى الأمام فان المجتمع أيضاً له دور كبير لا يقل عن دور
المدرسة ، فالعلاقة متبادلة - كما نعتقد - فالمجتمع هو الذي يؤسس المدرسة
ويحدد أهدافها وفق توجهاته ورؤاه ، وهو الذي يطورها ويعدها بصورة متقدمة لتقدم
المزيد من العطاء الثري ، وهو الذي يوفر لها كل المستلزمات التي من شأنـها أن
تؤدي إلى إنجاح المسيرة التربوية والتعليمية / التعلمية .
والمجتمع أيضاً
ينبغي أن يتحول إلى مدرسة مفتوحة يتعلم منها أفراده القيم والعادات والأفكار
الصحيحة والجادة وينطلق الجميع لبناء واقعهم ودفعه للأمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق